عمّان - أكد سمو الامير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، أن الهُويّة العربية في مدينة القدس تتآكل، مُرجعًا ذلك إلى أسباب عديدة أبرزها أن الحلول التي تُطرَح فيما يتعلق بهُويّة القدس ينقصها المتابعة والتشبيك.

عمّان - أكد سمو الامير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، أن الهُويّة العربية في مدينة القدس تتآكل، مُرجعًا ذلك إلى أسباب عديدة أبرزها أن الحلول التي تُطرَح فيما يتعلق بهُويّة القدس ينقصها المتابعة والتشبيك.

وقال سمو الأمير الحسن في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للندوة العلمية التي عقدها المنتدى في مقرّه يوم الثلاثاء (12/2/2013)، بعنوان "البُعد الإنساني لتاريخ مدينة القدس": إن المدينة المقدَّسة ليست مجرد مكان؛ بل هي زمان كذلك، مشيرًا إلى أن المشكلة تتمثَّل في إدارة الفضاء الديني.
وأضاف أن المنطقة برمتها تواجه ُ قائمة من التحديات الضاغطة تطال مستقبلها وكينونة بلدانها. فكرامة الإنسان العربي باتت عُرضَةً للانتِهاك الصارخ؛ إذ إن هُويّتها وتاريخها ومقدراتها، أصبحت مُستباحة بشكلٍ متواصل وبأسلوبٍ ممنهج.

وقال سموه: إن لقاء اليوم ليس حدثًا منفصلاً عن سيرورة أعمالنا في المنتدى؛ داعيًا إلى الخروج من هذه اللقاءات برؤية مشتركة لبناء فهم مطلوب للقدس.

وأشار سموّه إلى أن الأولويّات فيما بيننا كعرب تؤثِّر على مواقفنا المشتركة تجاه القدس، مؤكدًا في معرض حديثه عن الدور الهاشمي تجاه القدس ضرورة ترسيخ استراتيجية عمل تجاه هذه المدينة، تستحضر الماضي لاستخلاص العِبر منه، وتستعرض الحاضر، وتضع  تصوّرًا للمستقبل.

وتطرَّق سموّه إلى مأساة أهل القدس العرب الذين يعيشون حصارًا مفروض عليهم، وهم ومدينتهم المقدسة يعيشون وسط حالة من الانتهاك الصارخ لإنسانيتهم ومقدرات مدينتهم، التي أصبحت مُستباحة بإسلوب مُمنهج في ظلّ حالة تخبُّط وتشكيك تشهدها المنطقة.
وحول المسيحيين العرب، سواء في القدس أو في العالم العربي، قال سموه إنهم عرب قبل أن يبعث الله عيسى وموسى ومحمّد (عليهم السلام) وينتمون إلى محيطهم العربي.
ودعا جميع المؤسسات ذات العلاقة بتاريخ القدس وتراثها إلى إيلاء موضوع الوقف أهمية خاصة لما لهذا الجهد من أهمية وقيمة في تدوين الذاكرة الإنسانية.
وكان د. هشام الخطيب، الذي ألقى كلمة المنتدى وأدار الندوة، قد أشار إلى أن البعد الاجتماعي لمدينة القدس التراثي والانساني لم يعط حقه من التوثيق. كما أشار إلى انه صدر في القرن التاسع عشر حوالي خمسة آلاف كتاب عن القدس، كان معظمها توراتيّ الطابع، ولم يظهر الاهتمام العربي بالتوثيق للقدس إلاَّ في نهاية القرن التاسع عشر.

من جهته قال أمين القدس الشريف الحاج زكي الغول: إن القدس في هذه الأيام تئنّ وتتألم ويُعتدى على مقدساتها، خاصة المسجد الأقصى، الذي يصرّ المحتل على إقامة شعائره الدينية على أرضه بتحدٍ. واستعرض الغول المواقف الإنسانية في تاريخ المدينة المقدسة مهد الانسانية والنابعة من تعاليم عقيدة مَنْ كانت لهم الولاية والرعاية لها، ومن أبرزهم الفاروق عمر بن الخطاب، الذي سجَّل له التاريخ مواقف إنسانية تجاه المسيحيين والقساوسة والرهبان والكنائس عقب فتح المسلمين للقدس.

وقال بطريرك القدس اللاتين فؤاد الطوال: إن القدس ليست مجرد مدينة ومجرد مكان؛ بل إنها أكثر من ذلك بكثير، والبشرية جمعاء مرتبطة بشكلٍ ما بها، وفيها يتجلّى سرّ الخالق عزّ وجلّ؛ مشيرًا إلى أن أبعاد المدينة الإنسانية مستمدّة من الواقع الملموس والمُعاش يوميًا، وهي تشكِّل تحديًا مباشرًا للإنسانية يُلامس قلوب البشر وأرواحهم، وهي ليست مسألة عابرة بل تمسّ إنسانيتنا والمشاعر العميقة في صميم ذواتنا.

وأضاف: إن مدينة القدس تتحدانا وتضعنا أمام خيارات الموت أو الحياة، وتدعو جميع محبّيها إلى بلسمة الجراح وإلى العدل والسلام، والعمل من أجل ذلك في أنحاء العالم كافة، مُشيرًا في هذا السياق إلى أن القدس مشروع إنسانيّ حضاريّ ومختبر إنسانيّ بامتياز.
وفي الجلسة الأولى للندوة، التي أدارها د. فايز خصاونة، أوضح د. حازم نسيبة في ورقة قدّمها بعنوان "البُعد الانساني لتاريخ مدينة القدس" أن رحلة المعراج للنبي محمّد (صلى الله عليه وسلم) هي معجزة ربطت بين الخالق والخلائق، وبين ما هو روحي وما هو دنيوي، كما أنها مثوى المسيح (عليه السلام)، وفيها كنيسة القيامة، وكل ما في المدينة مقدَّس لأن خطوات المسيح مشت في جميع أرجائها، ولا سيما بين بيت لحم والناصرة والقدس.

وقال د. نسيبة: إنه خلافًا للديانتين الإسلامية والمسيحية القائمتين على أُسس إنسانية، فإن تحريفًا طال الديانة اليهودية عبر النظرية العرقية المتعصِّبة، التي اقتصرت على الجنس اليهودي دون سواه، مؤكدًا أن الصهيونية العالمية لا تمت لسيدنا إبراهيم (عليه السلام) بصلة، وهي إشكنازية وليست سامية، ودعاتها خليط من الأقوام، فيما أهل فلسطين الشرعيين هم ذرية الكنعانيين الساميين؛ بمن فيهم اليهود الذين اندمجوا في المجتمع الفلسطيني وسائر مجتمعات الأوطان العربية الأخرى.

أما المتحدث الثاني في الجلسة الأولى د. مهدي عبدالهادي من فلسطين فقد استعرض في ورقته "القدس: قراءة في الحالة 2013" تحدّيات عدّة تواجه المدينة المقدَّسة، وهي الأرض والعقار، والمقدَّسات والعبادة، والمواطنة والهُويّة الوطنية، والسياحة، والتخطيط والتنظيم، وتشعُّب القدس، والبطالة والعنف المجتمعي وثقافة "الأسرلة".

وأشار إلى أهمية أن يكون هناك دور أردني أكبر في المدينة المقدسة، ينخرط في شؤونها كافة، وأن لا يقتصر هذا الدور على الجانب الديني والرعائي.

ومن جانبها أوضحت دة. هند أبو الشعر من جامعة آل البيت في ورقتها بعنوان "أوقاف القدس الشريف من خلال سجلات الوقف في العهد العثماني" أهمية أرشيف بيت المقدس في الحفاظ على هُويّة المدينة المقدسة.

وتحدَّثت في ورقتها عن بعض الوقفات الموثقة في سجلات الوقف العثماني، التي وثقت كذلك وقفيات الايوبيين والمماليك بشكلٍ متسلسل؛ بحيث يمكن عبرها تتبُّع حالة الوقف في القدس منذ وقفيات السلطان صلاح الدين الأيوبي، ومن خلال مجموعة توثيقات عبر ثمانية قرون.
وفي الجلسة الثانية التي ترأسها د. هشام الخطيب تناولت دة. عايدة النجّار البعدين الإنساني والاجتماعي لمدينة القدس؛ مُشيرةً إلى خصوصية القدس كونها مسكونة بالتاريخ والتاريخ مسكون بها، وتاريخها لا يقتصر على كونها مهد الأديان السماوية؛ بل يرتبط بالتراث العربي الإسلامي والمسيحي وبالحضارة الإنسانية والعالمية بشكلٍ عام؛ ما جعلها فريدة من نوعها.
أما د. رؤوف أبو جابر فتناول "البُعد المسيحي في القدس"؛ مشيرًا إلى أن اهتمام المسيحيين بالقدس متناهٍ في القدم، إضافة إلى علاقتهم بها بالبُعد الدينيّ، الذي بدأ منذ فجر المسيحية، والذي يعود إلى عميق إيمانهم بأن القدس التي تحدث عنها الأنبياء، هي مكان الخَلاص الذي تنبأوا به، والذي تحقَّق في يسوع المسيح (عليه السلام).

وأشار د. أبو جابر إلى وجود بُعدين أساسيين للقدس في المفهوم المسيحي لا يمكن الفصل بينهما أوّلهما أنها عزيزة جدًا عليهم من منطلق ارتباطها بتاريخ الخلاص، وثانيهما أنها مدينة تسكنها جماعات من المسيحيين عاشوا فيها بصورة مستمرة منذ نشأتهم، موضحًا أن القدس فوق أي اعتبار هي مدينة مقدسة يجب الوصول إليها بحرّيّة، وأن تُمارَس فيها العبادة بحرّيّة أيضًا، مستعرضًا نصّ العهدة العمرية كما وردت في تاريخ الطبري.

وفي نهاية الندوة قدَّم د. محمد هاشم غوشه عرضًا خاصًا مصورًا للتوثيق المعماري للمعالم الدينية والأثرية في مدينة القدس، بما في ذلك جهود د. غوشه نفسه في هذا التوثيق بجهدٍ فرديّ. كما اشتمل العرض على صور نادرة لأحداث بارزة في تاريخ القدس الحديث والمعاصر وزيارات عدد من كبار الشخصيات العربيّة والعالمية، وإنجازات الرعاية والإعمار الهاشميّ للمسجد الأقصى وقبّة الصخرة المشرفة.

(عن وكالة الأنباء الأردنية- بترا، بتصرف)