مقالات الامير حسن

بسم الله الرحمن الرحيم

والصّلاة والسّلام على النبيّ الهاشميّ الأمين

وعلى آله وصحبه ومن والاه أجمعين

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) 

الحجرات:١٣

صدق الله العظيم

فخامة الأخ الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد

الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يطيب لي أن أبدأ حديثي إلى مؤتمركم الكريم، بالخطاب القرآني الجامع الذي حضّنا على تحقيق التواصل والتفاعل والتعاون فيما بيننا، بالرغم من اختلاف أعراقنا وألواننا ومذاهبنا الفكرية، ودعانا إلى بناء المشتركات الجامعة، التي تصنع مجتمعات إنسانية متكاملة ومتكافلة.

تمثل هذه الآية الكريمة دستور هداية لتحقيق التعارف بين كافة مكونات المجتمعات الإنسانية؛ باعتبار أن الجهل مبعث النكران والتحقير وسوء الظن، وما ينجم عن كل هذا من الشقاق والتناحر، وإن جوهر التعارف هو الإعتراف بوجود الآخر، وأنه لا تفاضل بين الناس، ولا تمييز إلا على أساس التقوى، التي هي نفع النفس ونفع الغير، لتكون منطلقاً للتعامل بين الجماعات والشعوب والأمم.

على ضوء هذا الخطاب القويم ننظر إلى ما تحظى به منطقتنا من تنوع اجتماعي وعرقي وثقافي وديني ومذهبي، ونتبصر بواجبنا في استثمار هذا التنوع والإختلاف والإفادة منه لبناء المجتمعات والدول، وخلق آليات للتعاون فيما بينها لتحقيق التكامل المنشود في المجال الإقتصادي والثقافي والعلمي والسياسي والمعرفي.

الأخ الرئيس

كثيراً ما نستخدم مصطلحات مختلفة لتحديد اللحظات التاريخية والمناطق الجغرافية والمفاهيم والمبادئ والموضوعات، التي تؤثر على حياة الإنسان، وتؤدي إلى كتابة سرديات تشكيل البلدان والمجتمعات، ومن أهم هذه المصطلحات مفهوم "الأمة"، الذي يمتد معناه إلى ما هو أبعد من حدود الديمغرافيا والجغرافيا الخاصة، ليشمل المنطقة بأسرها، وهو بهذا المعنى، يرتبط بالدول، أو البلدان، التي يكون فيها ما يجمعنا بها من قواسم ومشتركات، تَشَكَّلت في أوقات متميزة، لِتُقَدِّم لشعوبها عناصر حضارية فكرية وإنسانية حتمية لتماسكها وازدهارها، لأنها تجتمع معًا في كيان عالمي، تمتد أراضيه من إندونيسيا وماليزيا في الشرق إلى المغرب وموريتانيا في الغرب، إلى جانب تجمعات قوية تضم ملايين الأشخاص في أفريقيا وأوروبا وأمريكا، وعددًا كبيرًا ممن نعدهم جزءًا أصيلًا من الأمة في روسيا والصين والهند، لأن مفهوم الأمة بهذه السعة يُدمِجُ كل الشعوب، التي بينها ما نعده من مشتركاتنا الجوهرية، والقادرة على تمكيننا من العمل معًا من أجل ترسيخ السلام والعدالة والتعايش في العالم، والمساهمة في تقدم وروحانية بقية البشرية.

لقد تعودنا على التفكُّر المفضي إلى المزيد من الأسئلة تلقاء العديد من القضايا الإشكالية حتى نقترب بها من المعرفة الكلية الرؤيوية، مما يمكننا من إيجاد الحلول والمعالجات لكل معضلات العيش المشترك. إذ أن بعض هذه الأسئلة تدور حول؛ لماذا تُركز بعض الثقافات الحديثة على إظهار التنافر ونفي الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى الخلافات والصراعات؟ في حين أننا نُرَسِّخُ معًا فكرة أعمدة الأمة الأساسية كصمام أمان لاستدامة السلام والوئام.

وإذا كانت المكونات الأربعة للمشرق؛ العرب والكرد والفرس والترك، تخالط بعض مظاهر وحدتها أحيانًا رحمة الإختلافات الفكرية والسياسية والثقافية، فإن علينا أن نتعامل دائمًا مع هذه الإختلافات من منطلق التكامل والتعاون، لا من منطق الخصومة والتشاحن، لا سيما وأن التحديات، التي نواجهها معًا كثيرة وكبيرة، وأن المُشتركات التي تجمع بيننا أعظم بكثير من كل خلافٍ يطرأ، أو خصومة لا تصمد أمام قوة روابطنا المشتركة.

لهذا، فإن الإحاطة بتفاصيل حياتنا الإجتماعية في الإقليم كنواة حيّة للأمة ككل، وأعمدتها الرافعة لعمدها، تجعلنا نُدرك أنه من أجل أن ننخرط حقًا في هذه "الأمة"، ونكون ذوي صلة عضوية بها، علينا التأكيد على أصالة وجوهرية أعمدتها الأساسية، التي ارتكز عليها هذا البناء الفاعل يوم نهضت بقيمها الحضارية الإنسانية وسادت العالم. ومن هُنَا، فإن فكرة الأعمدة الأربعة للأمة هي رؤيا قَدَّرْنَا ضرورة التأسيس لها، والنقاش والحوار حولها في منتدى الفكر العربي، بعد أن قمنا بمبادرات مختلفة، شملت العديد من الثنائيات: كالحوار العربي- التركي، الذي تمخضت عنه فكرة المنتدى العالمي للحوار العربي- التركي، والحوار العربي- الباكستاني، والحوار العربي- الصيني، والحوار العربي- الكوري، والحوار العربي- الأوروبي، والديوان العربي- الإيبيري، وغيرها... وعندما صارت الفكرة، التي تعبر عنها مضامين الحوار واضحة، رأينا أن الوقت قد حان لنؤسس للقاء وحوار موضوعي رباعي بين أعمدة الأمة؛ من عرب وكرد وفرس وترك، باعتبارهم الركن الركين، والحصن الحصين لأمتنا، وكان لكم، الأخ الرئيس، قَدَر الإسهام معنا. وما ترعونه اليوم من حوار عربيٍ كرديٍ هو بادرة خيرٍ للعراق الحبيب، كما هو تأكيد لصواب المسعى باتجاه ما نصبو إليه جميعًا من وحدة تقوم على أسس الحوار الحق. 

وأقول: إننا إذا كنا نُريد أن تتقدم الأمة من جديد، وأن تستأنف مشروعها النهضوي المتجدد، الذي كان أحد أهم إسهاماتها الحضارية، وأن نُعطيها صوتًا مشتركًا مسموعاً في العالم، يجب النظر إلى هذه الأعمدة الأربعة من الناحيتين الإجتماعية والثقافية نظرة موضوعية تأخذ في الاعتبار فلسفة الوعي المشترك، مقرونًا بما استجد من ترتيبات إقليمية، بما في ذلك جوانبها السيادية والسياسية والإقتصادية، وتُوازن بين خصوصية احتياجاتها ومبادرات الدول المكونة للإقليم، وأن ينعكس التقارب فيما بين هذه الدول في قرارات رشيدة، تخدم مصالح الشعوب بكل تعددها وتنوعها.

إننا إذا نظرنا إلى تاريخ الأمة وماضيها لرأينا كيف أغنى وجودُ هذا التعدّدِ العرقيّ والتنوّعِ الدينيّ والمذهبي واللغوّي المجتمعات اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً، ومكّنها من بناء حضارة إنسانية زاهرة، قادرة على التفاعل الإيجابي مع كافة الشعوب والأمم، ومُدْرِكَة لِسعة المساحات، التي يمكن أن تشكل مجالات مشتركة يتعاون فيها الجميع على البناء والعمران والنهضة الحضارية. 

وهنا أقول: إن هويتنا الجامعة هي هوية الاستقلال المتكافئ والمتكافل، وهي السبيل لتمتين عرى التواصل في المنطقة والصوت الإقليمي إزاء العالم. لذلك، فتعاوننا كشعوبٍ ودولٍ يحتاج تفاهماً عميقًا حتى نستعيد الرغبة الأكيدة في حماية هويتنا المتعددة، وأن نتذكر أن دوائر الانتماء الجزئية والفرعية لا يصح أن تلغي هذه الهوية الجامعة، التي يَعْظُمُ فيها دور الثقافة الراشدة والقيم الإنسانية العظيمة.

 ولهذا، فإن الأرض الصلبة، التي تقف عليها أعمدة المشرق اليوم، والمرتكزة على الهوية الجامعة، والتاريخ، والمشتركات الكثيرة، ينبغي أن تحفزنا، لا لتحقيق التعايش فيما بيننا فحسب، وإنما لمدِّ جسور التعاون والتعاضد والتكاتف لبناء مستقبل مشرق زاهر تستأنفُ فيه الأمة نهضتها المنشودة.

وتعلمون، أخي الرئيس، أنه قد ظهرت عدة أفكار وتيارات سياسية تسعى الى توحيد الصفوف، ومضى عدد من المفكرين والمصلحين؛ مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، إلى إيجاد بدائل عملية لنهضة الأمة. وكانت الدعوة إلى الوحدة جزءًا أصيلًا وراسخاً من رسالة النهضة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي. وكان الدستور الفيصلي لعام 1920، الذي أمر به جلالة الملك فيصل الأول بن الحسين قائماً على المساواة، والتعددية، والاعتراف بالآخر، والمواطنة، وحفظ الحقوق المتساوية لجميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم وعقائدهم، فأرسى قاعدة للتحالف بين جميع التيارات سواء الليبرالية، أو الوطنية، أو الدينية، أو غيرها. وفي ذات السياق نادى الملك فيصل الأول بوحدة الهلال الخصيب والمشرق العربي على قاعدة "الحكومات المُتحدة"، ومثل هذه الاتحـادات لا يمـكن أن يكتـب لهـا النجـــاح من دون ما أسـميه اليوم بـ "الاستقلال المُتكافل".

الأخ الرئيس

إن مجتمعاتنا المشرقية ما تزال هدفاً لمشاريع التقسيم الخارجية، التي تسعى إلى تفتيتها على أساس عرقي أو طائفي أو ديني، وتحويل تنوعها الخلاق، الذي يقوم على "الغيرية الفعالة"، إلى بؤر أقليات متنازعة ليسهل التحكّم بها وإلحاقها سياسياً واقتصادياً، ولا سيما مع سياسات الإماتة التي تشهد نشاطاً في فلسطين المحتلة، وغيرها من دول المنطقة والعالم. وهذا كله يفرض علينا التصدي لهذه المشاريع، التي تتهدد المشرق بمعناه الواسع، أي الهلال الخصيب من خلال مد المزيد من الجسور بين أبناء الأعمدة الأربعة، عبر إطلاق منصات معرفية لتعزيز التكامل والتفاعل والتواصل والمشاركة الإيجابية، مع التشديد على أهمية اكتساب المهارات اللغوية فيما بين مكونات هذه الأعمدة الأربعة لتعزيز التفاهم والفهم المشترك، وترسيخ قيم التسامح، لا سيما في ظل تصاعد بعض خطابات الكراهية.

وندعو أن تكون مواجهة التحديات، التي تفرض نفسها علينا من خلال التعاون على المشتركات الجامعة، والتي تعمل على تحقيق الأمن الشامل بمفهوم التصدي الشامل، ومواجهة التحديات الحياتية عبر تحقيق كرامة الإنسان، وإرساء قيم الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية. وذلك بتأمين حاجات الإنسان الأساسية، وتحريره من ربقة الجوع والخوف، ليعيش في ظلال قوله تعالى: (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)قريش:٤. لذا، أدعو لتكثيف التعاون في التخفيف من الآثار والمآسي، التي تنجم عن المجاعات ونقص المياه والنكبات والفيضانات والزلازل والحروب، والأمراض، والتي تصيب الدول والشعوب.

إن التعاون في هذه المجالات وغيرها، هو من أشكال وتجليات عمارة الأرض، التي ائتمننا الله تعالى على عمارتها وتنميتها، يقول العالم المغربي الشيخ علال الفاسي: "المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارةُ الأرض، وحفظُ نظام التعايش فيها، وصلاحُها بصلاح المستخلَفين فيها، وقيامُهم بما كُلِفوا به من عدل واستقامة ومن صلاحٍ في العقل وفي العمل وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع".

وهذا ما يحثنا على التأسيس السليم للعديد من المشتركات، التي يمكن أن تتعاون عليها أعمدة الأمة، ويتحقق بها بناؤها وإعمارها من جديد. وهذا يوجب علينا اليوم إيجاد مشروعٍ ثقافيٍ وحضاريٍ جامعٍ، يُعيد لأمتنا ومنطقتنا دورها الريادي والإنساني. ويعيدها، كما كانت في الماضي القريب، مصدر إشعاع فكري تصدرته لمدة خمسة قرون متوالية، ومركز ربط بين الشرق والغرب، وإلاّ فإن أهميتها الجغرافية والبشرية ستتلاشى، ومواردها ستصبح بيد الآخرين يتصرفون بها وفق مصالحهم. 

كل هذا، أخي الرئيس، يؤكد أهمية لقائكم المبارك هذا، لأن التحديات الإجتماعية والثقافية والإقليمية، خارج القضايا المتعلقة مباشرة بالسياسة والإقتصاد، آخذة في الازدياد. ورغم أن الحوار العربي- الكردي هو حاجة عراقية محلية، لكن تأثيراته الإيجابية متعدية للحدود، وللإقليم، لأننا نعيش اليوم في إقليم متداخل في قرية كونية. كما أن مجيء عصر مجتمع المعلومات العولمي، بفرصه وتحدياته، يوجب على المكونات المحلية أن تكون مترابطة أكثر من أي وقت مضى. فالدور الإيجابي، الذي يمكن أن تؤديه مثل هذه الروابط والحوارات، والأهداف المشتركة محليًا وإقليميًا، تُساهم في تعزيز التفاهم، وإرساء الأسس الضرورية للإستقرار والسلام، هي دليل آخر على أن الطريق إلى الأمام واضح المعالم. ويجب أن نكون شاكرين لكم، أخي الرئيس، ونحن نخاطب جمعكم الكريم هذا، لوجود الدليل، الذي أقيم لنا لنراه ونتفهم ضرورته، وهو أن العراق وأهل العراق بخير.

الأخ الرئيس، 

إذا تمكنتم، ولا شك لنا في ذلك، من تهيئة كل الظروف للتعاون بشكل عادل بين مكونات العراق الحبيب، بطريقة تنصف مصالحهم المشتركة، وجغرافيتهم المشتركة، والأساس الأخلاقي لأي تفاعل بنَّاء بينهم، على أنهم ينتمون على التوالي إلى مجتمع من المؤمنين بكلية الأمة، وبالكرامة الإنسانية ككل، فإنكم ستتمكنون من إيجاد هندسة إقليمية تعزز الاستقرار. وعمومًا، فإن الأفكار والمبادرات، التي يمكن توليدها من أجل اغتنام الفرص ومجابهة التحديات، في جو من روح الأخوة والتعاون، ستكون أعلى مما قد يتصوره الكثيرون. ومن المؤكد أنه في ظل مثل هذه الظروف، فإن ثقافة السلام، التي نرغب فيها بشدة لمستقبل العراق والإقليم والأمة جمعاء، ستكون قد أُعطيت أساسًا ثقافيًا واجتماعيًا ودفعًا سياسيًا مستمرًا ومرئيًا من القمة، أي منكم شخصيًا، أخي الرئيس. 

إن مبادرتنا، التي أطلقناها في منتدى الفكر العربي، تؤكد أن من حق كل مكون من مكونات الأمة أن يُعترف بثقافته وحقوقه، حيث نجد العرب، والكرد، والفرس، والترك، مع مكونات وثقافات أخرى تتقاطع دوائر انتماءاتها المتعددة لتشكل هوية أمة متكاملة. وهذا يعني، هوية الإنتماء إلى نفس الإنسان، ومواطنة الإنسان المتحققة من خلال الإنتماء إلى الوطن، الذي يتمتع فيه كل فرد بحياة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية مع جيرانه. ويجب ألا تتغول التشريعات على القيم الإنسانية، وإنما يعمل القانون في خدمة الجميع عبر تفعيل الحق في ممارسة القيمة الوطنية، والحفاظ على النسيج الثقافي الداعم لها، وبذل كل جهد ممكن نحو النهوض بالمشتركات الجامعة حاضرًا ومستقبلًا.. وحينئذ فقط، سيتحقق الاستقرار ويكتمل السلام.

إن التحديات كبيرة والفرص عديدة، لكن المفتاح لمعالجة هذه التحديات في المستقبل هو حماية جذور وأصول أعمدة الأمة، والإستفادة من القيمة العالية للفروع في شجرة الإنسانية. فقد نكون مختلفين لكننا متساوون، والشعوب لا تدير ظهرها لبعض؛ كما رأينا ونرى اليوم في هذا التعاطف العالمي مع غزة ومع القضية الفلسطينية في شتى بقاع العالم، وفي الحركة الطلابية التي تنتشر في كل جامعات العالم. وما لا يمكن إغفاله أيضاً هو أهمية السياسات، أو القرارات والاتفاقيات والتغيير السلوكي المنشود، الذي يجب أن يكون نتيجة للحقائق الحالية ضمن الإطار الضروري لسيادة الدولة، التي لا تزال مهمة. 

وكحد أدنى، هناك حاجة إلى تعزيز الإحترام الحقيقي للتنوع في دوائر صنع القرار والتعبير المناسب عن الهويات، التي تشكل جوهر الجماعات على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. وينبغي على السياسات أن تحمي وتؤكد ثراء الهوية في نفس الوقت، الذي تتصدى فيه للتحديات الأخرى.

لقد بدأنا بالسؤال، "لماذا تُظهر بعض الثقافات العالمية الحديثة التنافر والنفي، وتتحدث عن صراعها، الذي يؤدي إلى التعنت والصراع والحرب بين الأمم؟" واقترحنا إعادة تعريف الثقافة في مظاهرها الروحية والمادية، المنبثقة عن القبول المتبادل والتكامل بين أعمدة الأمة الأربعة. وبيَّنا الحاجة، التي لم تُلبى بعد، إلى المؤسسات الجديدة، التي تعيد تشكيل السلوك البشري، وتغذي التواصل عبر المجتمعات. وفي المحصلة القدرة على التكيف الثقافي، وقبطان سفينتنا وبوصلتها هو حقيقة مستقبلنا كمحدد لمصيرنا كأمة متضامنة، ضمن الأسرة الإنسانية. لذلك، فإن الحاجة ملحة إلى التعليم، الذي يحرر الروح والفكر الكونيين، ويحرر الشباب عبر المشاركة والإتصالات المحلية والإقليمية والعالمية، مما يؤدي إلى تكوين ثقافة تحتضن التنوع والتعدد، والعيش السلمي المشترك. فالعلاقات محمية جزئيًا إذا حددناها بعنصرٍ واحدٍ فقط، دينًا كان أم عرقًا، وليس بالقيمة التوحيدية لإنسانيتنا وكرامتنا. 

إن التشابه في مواقف سكان العراق، كما هو موصوف ومفهوم من كل استقراء، يضعها ضمن بيان للحقيقة القائلة إن هذا شعبُ واحد اكتسب قوته من تنوعه، ويدعم بيان هذه الحقيقة إدراجنا لمفهوم "الأعمدة الأربعة"، التي  يمكن أن تساعد في تعزيز فهمٍ وموقفٍ مشتركٍ بين مكوناتها، وبالتالي فهي مبادرة تستحق النظر في إمكانية إدراجها في أجندة مؤتمركم الموقر هذا.

إنني أتطلع إلى أن يخرج هذا المؤتمر بتوصيات جليلة تشكل خارطة طريق يتعاون عليها الجميع، وتؤسس لغد مشرق ومستقبل زاهر، ويحقق انطلاقة حضارية جديدة للأمة وللإنسانية كلها، (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة: 143.

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

أبارك لكم وأسلم عليكم...

*كلمة صاحب السموّ الملكي الأمير الحسن بن طلال في مؤتمر المركز الثقافي العربي، التي ألقاها بالنيابة عنه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي الدكتور الصادق الفقيه، يوم السبت 29 حزيران/بغداد.