جنيف - ريم الرواشدة - في الوقت الذي تجمع نحو 70 من صانعي السياسات وبرلمانيين ووزراء سابقين واعلاميين وخبراء مياه من دول في الشرق الاوسط في جنيف - موطن المنظمات الانسانية- الاسبوع الماضي للتباحث في التعاون المائي وايجاد الثقة، كانت منطقتهم - بؤرة الصراعات

جنيف - ريم الرواشدة - في الوقت الذي تجمع نحو 70 من صانعي السياسات وبرلمانيين ووزراء سابقين واعلاميين وخبراء مياه من دول في الشرق الاوسط في جنيف - موطن المنظمات الانسانية- الاسبوع الماضي للتباحث في التعاون المائي وايجاد الثقة، كانت منطقتهم - بؤرة الصراعات في العالم-في اوج ازمتها السياسية الدولية والاقليمية، ويالها من مفارقة في الموضوع والمكان.
وبينما توافق المجتمعون من الدول المنضوية تحت مظلة «مبادرة السلام الازرق» في الشرق الأوسط -المنصة الوحيدة حاليا التي يشترك العديد من أصحاب المصلحة من العراق والأردن ولبنان وتركيا وإلى حد محدود سوريا -على استمرارية المجتمع الازرق للسلام كقناة نادرة للحوار بين بلدان المبادرة التي يعيش بعضها اوضاعا داخلية واقليمية صعبة، كان الوضع السياسي المحلي والدولي في الشرق الاوسط يتسارع بشكل كبير باتجاه مصير مجهول لعامة الناس.
ولم تكن مصادفة ان سويسرا الدولة الحاضنة للمؤسسات الدولية التي تعنى بحماية حقوق اللاجئين وكرامة ضحايا الحرب والاقتتال الداخلي وتقديم المساعدة لهم، ففيها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الدولي لمؤسستي الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وهي في ذات الوقت الراعية والممول الرئيس لمبادرة السلام الازرق التي تهدف المبادرة للحد من النزاعات والحروب واستبدالها بالاتفاق والتعاون، فان الفرصة مواتية لدعوة هذه المؤسسات للمشاركة في المبادرة، حيث تم الطلب من الجانب السويسري تمهيد لقاء من اجل العمل معا لحل مشكلة اللاجئين من خلال تقديم الحلول والمبادرات لحل مشكلة شح المياه والصرف الصحي في المناطق التي يقطنها اللاجئون.
المجتمعون يعترفون بان قضية المياه تعدت دورها في التنمية المستدامة الى دور امني، خاصة مع ازدياد استخدامها كسلاح للارهاب وهدف من قبل الجماعة المتشددة «داعش»وهي ظاهرة ليست بجديدة على الشرق الاوسط، فقد سبقتها اسرائيل واستخدمتها منذ زمن في احتلالها للضفة الغربية، ولطالما منعت المياه وتناست حقوق الشعب الفلسطيني المائية واغرقت الخنادق بالمياه.
ومع اعترافهم بضخامة الأزمة الإنسانية في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر بسبب التهجير والعنف والتطرف، وما اوجده ذلك من شعور بفقدان الكرامة والعدالة بين الناس، شددوا على ضرورة أن يعامل أي هجوم على مصادر المياه أو استخدامها كأداة في الحرب أو الإرهاب باعتباره فعلا يهدد البشرية.
في المنتدى الذي استمر يومين ايد المشاركون في الاجتماع الثاني رفيع المستوى للسلام الازرق الذي نظمته مجموعة الاستبصار الاستراتيجي وجامعة جنيف بالتعاون مع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، والدائرة السياسية في الوزارة الاتحادية للشؤون الخارجية السويسرية « اتخاذ تدابير محددة لبناء الثقة على المستوى الثنائي والإقليمي».
وتم اقتراح اتجاهات جديدة لبناء القدرات لوسائل الإعلام في الشرق الأوسط وابراز المياه كهدف للتنمية المستدامة وتعزيز الجهود الرامية إلى حماية المياه باعتبارها رصيدا استراتيجيا وإنسانيا.

افتتاح أعمال المنتدى
انطلقت أعمال المنتدى برسالة من سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس «مبادرة السلام الازرق»عبر فيهاعن «قلقه إزاء حقيقة أن المياه ما زالت تستخدم كأداة للحرب، على الرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي».
ونبه سموه في الرسالة التي ألقاها نيابة عنه مستشاره للمياه والبيئة حكم العلمي» الى أهمية الاستقرار الإقليمي، والممارسات المبتكرة والاستراتيجية والشراكات والأمن البشري اللازمة لحل أزمة المياه «داعيا» إلى تحديد أولويات احتياجات المياه والصرف الصحي وفقا لأهداف التنمية المستدامة.»
و قال سموه «إن المساواة في الحصول على المياه هو احد مفاتيح الاستقرار السياسي الإقليمي والمحلي».
وزاد «أن ذلك يأتي في غياب إلاطار إلاقليمي، وقاعدة المعرفة وإلاحصاء الدقيق، وتصاعد مشاكل التنمية المزمنة، بما في ذلك التدهور الأخير في النمو الاقتصادي وفرص الاستثمار والتوظيف، فضلا عن تزايد الضغوط على الموارد العامة مثل المياه والطاقة وإدارة النفايات».لافتا»الى أن الوضع المائي تفاقم لدينا بسبب سنوات الحرب السيئة، والادراة غير المسؤولة لامدادات المياه والنمو السكاني غير المضبوط والسياسات الزراعية غير الحكيمة «.
وبين «لذلك فان معالجة تحديات المياه على وجه السرعة في هذه الأوقات الصعبة ستوفر للمنطقة المرونة والقدرة على الحد من أزمة الموارد الطبيعية القاسية التي أدت إلى الهجرة غير المقصودة والصراعات الإقليمية».
وفي الجسلة الافتتاحية ايضا نبه المشاركون «الى أن أزمة المياه العالمية ليست مجرد تهديد بل هي تهديد مضاعف يؤثر على الأمن الغذائي والطاقة فضلا عن الاستقرار السياسي والاجتماعي.»
وقالوا «ان ذلك يتضح من خلال زيادة المنافسة بين استخدامات المياه، وتزايد الجدل حول السدود الكبيرة والتوترات على الأرض والمياه على المستويات المحلية والدولية. «وشددوا على اهمية التغيير الذي طرأ على قضية المياه من اعوام.
ولفتوا» بعد إطلاق تقرير السلام الازرق في الشرق الاوسط عام 2011، كان ينظر إلى المياه على نطاق واسع باعتبارها بندا على جدول أعمال التنمية، غير ان هذه النظرة تغيرت اليوم، وباتت سلعة استراتيجية وإنسانية، يرتبط بها العرض والطلب في قضايا اللاجئين، والتشريد، والإرهاب والجفاف.»
وحثوا «على ان لا تستخدم الماء كورقة ضغط في العلاقات بين الدول، بل يجب أن ينظر إليها كأداة لتطوير الحوار والسلام».
وناقشت جلسة من صانعي السياسات العليا والبرلمانيين من تركيا والأردن والعراق، آليات التعاون في مجال المياه الإقليمية بعد عام 2015 في ضوء تحول المنطقة من حقبة من التعاون في عام 2010 إلى حقبة من الصراع في عام 2015.
وخلصت الى ضرورة معالجة المشاكل الملحة الناجمة عن انهيار الثقة وتزايد الأزمة الإنسانية وبذل الجهود لاستثمار انضمام منظمات مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر لمعالجة هذه المشاكل.
كما دعوا «الى ضرورة استمرار شبكة السلام الأزرق في العمل لملء بعض الفراغ الناجم عن غياب مؤسسات التعاون الإقليمية الرسمية.»
وتصاعدت الدعوات «لاتباع نهج استباقي يستبدل عقلية الرجعية السائدة في النظر الى التعاون في قضية المياه.»
وتباينت الاراء حول تأسيس منظمة اقليمية لادارة الموارد المائية، فالبعض أيد تأسيسها، فيما أعرب اخرون تفضيلهم اتباع نهج تدريجي استنادا الى معايير فنية محددة ومشاريع عملية لتبادل وتنسيق البيانات.

مسار العراق - تركيا
تم استعراض الاتفاقات الثنائية والمعاهدات والجهود المبذولة على مسار واحد وتم ابراز التقدم الملموس على المبادرة التوافقية بين البلدين فيما يتعلق بنهر دجلة والتي تتم تحت مظلة مبادرة السلام الازرق باستخدام الصادر من محطات الرصد المعينة في المناطق الحدودية-واحدة في العراق واخرى في تركيا-

الزعبي:السلام معرض للخطر
وترى عضو فريق مبادرة السلام الازرق ميسون الزعبي ان السلام اصبح معرضا للخطر في المناطق التي تعاني نقصا في المياه، أو نزاعا على تقسيمها، خاصة في أحواض الأنهار المشتركة بين عدة دول».
وتقول» يتزايد الصراع خلال الفترة المقبلة نتيجة تضارب المصالح، واتساع أوجه الانتفاع بمياه الأنهار في أغراض الصناعة، وتوليد الكهرباء، والطاقة.»
وتنبه وهي التي شاركت بالجلسة الختامية لاعضاء الفريق الرئيسي للمبادرة ممثلة عن الاردن الى «ضرورة الإدارة الجماعية التشاركية للموارد المائية من خلال التعاون والعمل على استخدام الموارد المائية بما يحفظ حق الأجيال القادمة, خاصة ما تتعرض له الموارد المائية من مؤثرات مناخية، وتأثيرات نتيجة للتعاون المتخاذل من الدول المتشاركة في أحواض الأنهار، بل واستخدامها كورقة ضغط في العلاقات بين الدول بدلا من أن تكون أداة لتفعيل السلام والحوار المشترك.»
وتشير «الى اهمية التفاهم الذي توصل إليها الجانبان التركي والعراقي في بناء الثقة بين البلدين وهو الاساس في توسيع وتعزيز التعاون لبدء تبادل البيانات بطريقة تدريجية.»
وتقول»من الضرورة تطبيق ما تم الاتفاق عليه في مذكرة التفاهم الموقعة بينهما والذي يوكد أهمية تبادل المعلومات، وتطوير منهجية مشتركة لتحليلها، وتعزيز التعاون التقني لبناء الثقة والتفاهم, ونتيجة لهذا التعاون وبناء الثقة بين الطرفين تم الاتفاق على مقترح تقديم طلب تمويل للحكومة السويسرية لمشروع مشترك بين الدولتين يتم من خلاله انشاء محطتي مراقبة وقياس للتدفقات المياه من نهر دجلة احداهما في تركيا واخرى في العراق يتم ادارتهما بطريقة تشاركية، وتحت مظلة مبادرة السلام الازرق. «
ونبهت في أزمة اللاجئين السوريين»الى أن الأزمة المائية المحلية وإن كانت لا تتعلق بالبنى التحتية فقط، فإن الطلب المتزايد على المياه في الأردن ادى الى استنزاف المياه الجوفية لسد حاجات الطلب، نتيجة لوجود اللاجئين الذين زاد عددهم فى بعض المناطق على السكان المحليين».

قطيشات: نجاح التعاون
مرهون بتكافؤ الفرص
وقال خبير المياه قصي قطيشات في حديث خاص للرأي «ان الاجتماعات شهدت تقدما يشار إليه في أن العراق تريد بناء محطة مراقبة بالتعاون مع مبادرة السلام الأزرق والحكومة السويسرية.»
ونبه «إلى أن هنالك إجماعا بين المشاركين على أن نجاح أي تعاون بين دول المبادرة مرهون بالتكافؤ بين جميع الأطراف».
ولفت «إلى أن من ضمن النقاط الهامة التي تم الإشارة إليها ضرورة العودة إلى بندين في إعلان الأمم المتحدة حول المياه العابرة تتعلق بالعدل في توزيع حصص المياه وعدم الإضرار بالجهة التي تقع أسفل النهر أو الحوض».
وحث قطيشات» على ضرورة المضي قدما في المبادرة من خلال إيجاد هيئة تعاون متكاملة بين الدول أعضاء المبادرة». وحذر من تبعات استخدام المياه في النزاعات، وقال «إن من الضروري التنبه أكثر إلى خطورة استخدام المياه كسلاح للإرهاب، بأشكاله المتعددة من فيضانات متعمدة أو جفاف متعمد، وعدم ترك مصادر المياه بأيدي الإرهابيين».

التوصيات

خلصت الاجتماعات الى ان مجتمع السلام الازرق ارضية جيدة للحوار، ومساهمته في احداث تغيير ايجابي مرهون بفتح الفضاء السياسي.
وأيد المشاركون في المنتدى»أهمية ايجاد الية مؤسسية للتعاون في مجال المياه في الشرق الأوسط مثل مجلس التعاون من أجل الإدارة المستدامة للموارد المائية على غرار تجارب الاحواض المائية الاخرى في العالم.» وشددوا» على اهمية منع استخدام المياه كسلاح في الحرب، خاصة من قبل الجماعات والدول الارهابية، سواء باستهداف البنية التحتية للمياه في سياق النزاعات، أو استخدام مصادر المياه كأداة للعنف». ودعوا «الى اشراك ايران في مبادرة السلام الازرق، ذلك ان روافد بعض الأنهار التي تصب في تركيا تنبع من إيران، وهي جزء لا يتجزأ من المنطقة المائية السياسية في الشرق الأوسط.» وحثوا «على اعطاء الاعلام دورا اكبر في تبادل المعلومات والخبرات بين الدول في المنطقة وتعزيز مشاركة قادة وسائل الإعلام في المجتمع الأزرق للسلام.»