تخترق خفّة ظلّ وإنسانية وليّ العهد الأردني الأسبق الأمير الحسن بن طلال الحواجز التي يفرضها مرافقوه الذين يرسمون بأجسادهم وعيونهم دائرة أمان تحيط به. وهو، كما يبدو، إجراء روتينيّ لا يعوق الأمير الذي يتسلّح بثقته الكبيرة بنفسه وشعبيته الواسعة، إذ تجده متنقّ

تخترق خفّة ظلّ وإنسانية وليّ العهد الأردني الأسبق الأمير الحسن بن طلال الحواجز التي يفرضها مرافقوه الذين يرسمون بأجسادهم وعيونهم دائرة أمان تحيط به. وهو، كما يبدو، إجراء روتينيّ لا يعوق الأمير الذي يتسلّح بثقته الكبيرة بنفسه وشعبيته الواسعة، إذ تجده متنقّلاً بخفّة بين الحاضرين في مؤتمر «منتدى غرب آسيا - شمال أفريقيا»، مُضفياً جوّاً خاصّاً بطرفات يتقن تمريرها.

يدرك رئيس "منتدى غرب آسيا - شمال أفريقيا" (وانا) الأمير الحسن بن طلال أنّ قضية "المقتلعين" التي يندرج تحت إطارها اللاجئون والنازحون والمشرّدون والبدون وغيرهم، تتخطى قدرة الدول منفردةً على الاستجابة لها.

لذا أراد أن يكون المؤتمر الخامس لـ"وانا" بمثابة ناقوس خطر لحضّ دول غرب آسيا وشمال إفريقيا على وضع مؤشّر تخطيطي، يلحظ المشهد الحالي، ويرسم سيناريوهات استشرافية، قوامها قاعدة معرفية سليمة، لمواجهة المعضلة الإقليمية الكبرى التي يثيرها المقتلعون على اختلاف تصنيفاتهم.

ويقول الأمير الحسن في مقابلة خاصة مع "الجمهورية"، التي التقته على هامش افتتاحه منتدى "وانا" الخامس، والذي عُقد في العاصمة الأردنية عمّان تحت شعار "تحقيق الكرامة الإنسانية للمقتلعين" ما بين 10 و11 الجاري: "اهتمامنا بموضوع المقتلعين ليس وليد اللحظة، ولا يرتبط بتحذير الامم المتحدة الاخير، بأنّ عدد اللاجئين السوريين في الاردن سيتجاوز حدود 1.2 مليون مع نهاية العام"، أي ما يعادل خُمس سكّان الممكلة الهاشمية.

ويضيف: "لم يكن لدينا هذا الإستشراف، وقد تصادف مؤتمر (وانا ) في الوقت عينه مع توجيه الأمم المتحدة أكبر نداء في تاريخها لجمع مبلغ 5 مليارات دولار لتقديم مساعدات إنسانية للمتضررين من النزاع في سوريا".

الاهتمام بقضية "المقتلعين" تعود جذوره إلى ما قبل العام 1998، حيث صدر كتاب "هل تكسب الانسانية معركتها"؟ عن الهيئة المستقلة الخاصة بالقضايا الانسانية في العالم. في حينه، دعت هذه الهيئة إلى ضرورة إقامة نظام إنساني عالمي جديد، لحماية متضرّري الكوراث من فعل الانسان كتشرنوبل عام 1986 على سبيل المثال، أو الكوارث البيئية كالفيضانات والجفاف أو الحروب.

الحروب المتتالية

وقد هالَ وليّ العهد الأردني الأسبق الحروب المتتالية، من فلسطين مروراً بالعراق إلى ليبيا وسوريا، وعدم إدراك الاطراف المسببة لها ثمن هذه الحروب لغياب "مفهوم المآلات والنتائج" من حساباتها.

وفي حين يدعو الأمير الحسن إلى اتّقاء الله ووقف الحروب، يعتبر أنّ الوقت قد حان لوضع موضوع المقتلعين والمهجّرين على جدول منظمة الأمم المتحدة في اجتماعها المقبل في نيويورك، وقد سبق التمهيد ذلك عبر مشاركته في مؤتمرات تحدّد قضايا التنمية لما بعد 2015، حيث سيدرج موضوع المقتلعين في إطار الأهداف الألفية المقبلة، ليكون ضمن اولويات المؤسسات الدولية".

فضلاً عن ذلك، ستشكّل توصيات مؤتمر "وانا" حيّزاً من التقرير الذي سيرفع إلى الأمم المتحدة والمتعلق بالاهداف الألفية الإنمائية لما بعد 2015، بإشراف رئيس الفصل الاوروبي للّجنة الثلاثية - مجموعة نقاش غير حكومية، غير حزبية، أسّسها ديفيد روكفلر سنة 1973، لتعزيز التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان - ممثلاً عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول الهجرة والتنمية بيتر ساذرلاند.

وسبق أن استضاف الفصل الاوروبي للّجنة في لاهاي "منتدى غرب آسيا - شمال أفريقيا" العام الماضي، حيث كانت مناسبة لعرض رؤيته عن وضع المقتلعين وكيفية معالجة هذه المعضلة، وذلك على وقع المعارك المحتدمة في سوريا.

وفي هذا السياق، يسعى الامير الحسن إلى ان "لا تستمرّ الأسرة الدولية في تجاهل المقتلعين بأصنافهم المختفلة، وأن تأخذ في عين الاعتبار ضحايا الكوارث الطبيعة الذين لا ذنب لهم في ذلك، وتفريق ذلك عن المقتعلين غير الشرعيّين وغير القانونيين، والذين يثيرون هواجس أوروبا وأميركا".

قادرون على التخطيط لمواردنا

وإذ ينوّه باستشراف "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" للفترة الممتدة إلى 2025، يجد أنّ "أضعف الإيمان بالإثبات لأنفسنا وللعالم أنّنا قادرون على التخطيط لمواردنا".

ويرى أنّ التحدّي يمكن في "المواءمة بين التنمية والعمل الظرفي في ما يسمّى بمخيّمات اللاجئين، بمعنى إدامة الجانب الايجابي بأن تكون المدارس دائمة ولكلّ الفئات العمرية وتضمن تأمين حياة الجيل المقبل مهنيّاً".ويشدّد على أنّ "هؤلاء بشر لا حول لهم ولا قوّة، وبالتالي النظام الانساني الجديد لا بدّ أن يختلف عن النظام المادي القائم".

ويؤكّد أنّ حلّ أزمة المقتلعين عوضاً عن مطالبة المجتمع الدولي بالاكتفاء بتمويل تمدّد هذه الظاهرة لن يكون إلّا "بخلق إطار اقليمي جامع، يسبقه وضع برامج لدراسة الموارد البشرية بوقت قريب، عن طبيعة وهوية هؤلاء، وليس العرقية والطائفية، بل على أساس المواطنة المعطاء والقادرة على التفاعل مع الوضع الجديد".

ويذكّر أنّه عندما "نقول إنّ مشكلة اللاجئين موَقّتة، نستذكر لاجئي فلسطين 1948 و1967، ولاجئي العراق منذ التسعينات الذين لم يتغيّر وضعهم لانعدام الاستقرار في بلادهم. وبالتالي هناك حاجة ملحّة على الاقل لوضع مؤشّر تخطيطي، يأخذ المشهد الحالي ويرسم سيناريوهات استشرافية لخمس سنوات مقبلة، والسلبيات التي قد تواجهنا".

خلل في الهيئات الأممية

وعلى رغم عدم إنكاره لجهود الهئيات الأممية المتعددة، إلّا أنّه يرى خللاً في عملها، إذ لكلّ من هذه المؤسسات مرجعيات قانونية وموازانات مستقلة، فعلى سبيل المثال يكاد ينعدم التنسيق بين المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانروا) التي لا تنسّق بدورها مع المنظمة الدولية للمهجّرين (IOM).

وفي ظلّ "غياب قاعدة معرفية سليمة، وتصوّر مؤسّسي في الاقليم العربي للتعامل مع ظاهرة المقتلعين"، يقترح الأمير الحسن "إنشاء صندوق اقليمي للتنمية، وإعادة الإعمار من شأنه مساعدة المتقتلعين بكافة فئاتهم، على أن يموّل من تبنّي مشروع الزكاة العالمية".

ويقول: "عندما نتحدّث عن ابن السبيل نجد أنّ هناك وضوحاً في إلزامية العمل المؤسّسي الإسلامي، وهذه الغيرية والخيرية يجب أن تخرج من منطلقات إسلامية عقائدية إلى المجال التنموي بدل ان تبقى اسيرة خطب المساجد الحماسية".

في الوقت عينه، يقرّ الأمير الحسن بصعوبة استثمار ظاهرة المقتلعين لمصلحة الدول المضيفة، وأن يشكّلوا قيمة مضافة لها، وعلى وجه الخصوص في الأردن التي تعاني من محدودية مواردها وضغطاً كبيراً على الخدمات العامّة، على رغم تثمينه مساهمة اللاجئين الفلسطنيين في نهضة وتقدّم المملكة الهاشمية.

ويقول: "نستطيع الاستفادة من وجود اللاجئين ضمن إمكانات الاردن، فبلدنا لطالما شكّل ملاذاً للّاجئين الفلسطينين والعراقيين والسوريين. ولكن لكلّ شكل من اشكال الحفاوة والطيبة والكرم حدود مادية ونفسية، وهذا الكمّ الهائل من اللاجئين يؤدّي إلى إرهاق الموازانات، ويقلل من قدرة الناس على التجاوب والترحيب الذي يتلاشى بعد سنوات من المعاناة وغياب العدالة الاجتماعية".

وأمام استمرار تدفّق اللاجئين السوريين، "لا يسع المواطن إلّا التساؤل والاعتراض على ذهاب العون الى اللاجئ على حساب المواطن، فضلاً عن أنّ إيجاد فرص عمل لن يكون حاليّا إلّا على حساب أبناء البلد المضيف، وأظنّ أنّ الوضع في لبنان مشابهٌ"، على حدّ تعبيره.

ويقول: "نحن دعاة تواصل عربي إقليمي في إطار الهلال الخصيب، لنكثّف من التشاور بيننا ونبحث عن الوسيلة للوصول الى الغالبية الصامتة قبل ان تستغلّ هي الأخرى الاصوات المرتفعة في رفض أيّ شكل من أشكال الهدوء والاستقرار، وتوجيه ذلك العنف وكأنّه مرآة لما يجري في سوريا".

وإذ لا شيء يلزم المملكة الاردنية تبنّي التوصيات التي سيخلص اليها مؤتمر "وانا"، يقول: "المعضلة إقليمية، على الدول أن تأخذ ما تراه مناسباً من التوصيات، والمشكلة تكمن في غياب قاعدة معرفية رسمية شاملة لكلّ صنوف اللاجئين، والمسألة لا تحلّ بتشكيل وزارة أو هيئة رسمية، بقدر ما تحلّ بنظرة متداخلة النظم، تلحظ قضية المياه والبعد الاقتصادي".

ويتساءل: "هل نخطّط لموضوع اللاجئين وكأنّه وُجد ليبقى؟ أم أنّ هناك أملاً لعودتهم في إطار جديد لحرّية تنقّل البشر والسلع والاستثمارات؟"
الإجابة عن هذا التحدّي ستشكّل "اختباراً للعربي الذي يفاخر بالانتماء الى قومه ووطنه، لكن حتى الساعة لا أرى استعداداً عربيّا كافياً للتعامل مع إفرازات الحروب".

مشاهد الربيع في المملكة

محلّياً، لم يُسقط الأمير الحسن رياح الربيع العربي التي لفحت المملكة الهاشمية من الحسبان، ويصف المرحلة الحالية" بالغريبة والمربكة، كون الاسئلة المطروحة لا تلقى إجابات كافية".

ويذكّر بأنّ "مشاهد هذا الربيع بدأت مع المطالبة بالمنظومة الدستورية والقوانين الإصلاحية"، منوّهاً بالتقدّم نحو مفاهيم جديدة من الإصلاح، وخير شاهد على ذلك الاوراق الاربع التي قدّمها جلالة الملك عبدالله، والتي كان آخرها برنامج التمكين الديموقراطي، والحديث عن المواثيق الاجتماعية.

ويقول: " في الساحة الأردنية أمثلة مشابهة لتلك التي نراها في الساحة العربية من اعتصامات واحتجاجات ومصادمات، لكنّ ذلك لن ينتهي إلّا بالدعوة الصريحة لتحمّل المسؤولية الجامعة، وجعل الصالح العام أجندة مشتركة للجميع ومعالجة المديونية وتطبيق الحاكمية الرشيدة لاجتثاث الفساد، وتحريك الوطن وإعادة خلق العمل الجامع الإنمائي ليس أمراً سهلاً".

الأزمة السوريّة

سوريّاً، يجدّد "عرّاب" دعاة الحلّ السلمي تأييده لمساعي المبعوث الأممي المشترك الاخضر الابراهيمي، والأصوات المستمرّة التي نسمعها في مجلس الأمن بأنّه لا بديل للحلّ في سوريا إلّا بعقد مؤتمر "جنيف2" بمضمون محدّد وواضح.

ويأمل الأمير الحسن أن لا "تكون التحرّكات العسكرية الاخيرة الناشطة من مساحة الوطن السوري وصور القصير الماثلة في الذهن، سبباً في التخلّي عن الهدف الاساسي المتمثل بجلوس الجميع الى مائدة الحلّ السياسي".

ويقول: "لا شك أنّ الموضوع السوري يرتبط بالظرف الاقليمي الذي نعيش وباكتشافات الطاقة في شرق المتوسط، وبما يسمّى حروب الإنابة في إطار الشرخ السنّي الشيعي".

وإذ لا يرى وجوب التفريق بين مسلم وآخر،" فكلّ من يتّجه الى القبلة في صلاته نيتُه صافية"، يقول: "إذا كانت النية خالصة فشيعة البيت وأهل السنّة والجماعة هم مسلمون في النهاية، وخلافهم السياسي نتيجة التبعية، فمن يحضّ على عمل الخير والمحبّة لا يمكن أن يحرّض على صناعة الكراهية وتأجيجها".

أمّا لبنان فله في قلب الأمير الحسن كلّ الاحترام والتقدير، إذ ينوّه بتجربة التنوّع فيه، "والتي تُعدّ تجربةً مدعاةً للفخر من المحبّ والخصم في الوقت عينه، على قاعدة أنّ الدول التي لها عراقة تاريخية وعمق اجتماعيّ يتجسّد في الحوار والتواصل، مهيّأة أن تتلقّى ضربات تِلو الأخرى من أعدائها". ويختم قائلاً: "هذا ثمن الإنجاز، نحن معكم في قارب واحد".