لكل اختراع جديد إيجابيات حين يحقق زيادة في مستوى النفع العام لخدمة المجتمع، ويمكن أن يكون أيضًا وسيلة ميكافيلية للوصول إلى أهداف سلبية فيها الضرر الكبير على وحدة المجتمع وتلاحمه مع نظام حكمه أيا كان شكله، ومن أبرز هذه السلبيات الشائعات التي يطلقها أعداء الأمة من الداخل أو أعداؤها الإقليميون والدوليون كسلاح نافذ ضد مصادر قوة المجتمع وأمنه.

وهنا لا بد من إعادة النظر في الأساليب التي يستخدمها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات المدسوسة لتصل إلى أكبر شريحة في المجتمع بقصد مبيَّت لأبعادها الخطرة، ويتم تكرارها من دون إدراك -من جانب البعض- لخطرها على المجتمع بأسره.

ولا بد أن يكون المواطن الصالح رقيب نفسه ويقظًا أمام الشائعات المغرضة واقفا دون تكرارها، بل أن يعمل على إيقاف انتشارها صيانة لوحدة المجتمع وأمن الوطن القومي، ولا سيما أننا في حالة محاربة الإرهاب الداخلي والخارجي وأمامنا عصابات إرهابية مدربة على جميع الأسلحة الهدامة، وعلى رأسها سلاح الإشاعات، لخلق جو من التشكيك وتحويلها إلى حالة من الغضب لدى أبناء الشعب الواحد وإضعاف وحدته الوطنية ليصل إلى غرضه من بث الإشاعة والتي تهيئ للإرهاب العدواني بهدف تخريب المجتمع المستهدف ومكتسباته الوطنية.

في الوقت الذي أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي بكل مسمياتها وأصنافها والتي غطت بشكل سريع وسائل الإعلام الاجتماعي أو الاتصال البديل والمباشر لأدواته وبلوغ المشتركين معظم سكان العالم في هذه الوسائل الحديثة وكيفية توظيف التقنية الحديثة والمعروضة بين يديك بحرية ومجانية مطلقة، فلا بد من اليقظة الوطنية في كيفية استخدامها من دون الانزلاق في فخ الإساءة إلى حرية وأمن المجتمع واستقراره والعصابات الإرهابية المخططة للحراك العدواني من بث الإشاعة المغرضة لخلق نوع من البلبلة والاضطراب في الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد.

لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي أمثال الواتس آب والفيس بوك والتويتر والإنستجرام وغيرها أدوات خطرة لو استخدمت لأغراض تخدم المنظمات الإرهابية ويتم استخدامها بشكل عدواني استخباري ضد مصالح الوطن العليا، وفي أحيان كثيرة يلجأ المخربون إلى استخدام هذه الوسائل بصورة خفية أو من خلال أسماء وهمية في نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، ومن الصعوبة التفريق في مستويات المتلقين لهذه الأكاذيب المتعمدة ومن المؤسف أن الأحداث السريعة المتصاعدة التي تشهدها الساحة الإقليمية من حولنا تجعل لهذه الشائعات مناخًا خصبًا لنموها وتكاثرها، وهذا هدف أعداء الوطن.. ويمكن تصنيف تلك الشائعات إلى مستهدفة مرسومة مسبقًا من الدوائر الاستخبارية المعادية والمعدة التصنيع مسبقًا ومعدوها على دراية تامة بأنها كاذبة عارية من الصحة بحسب النظرية الجوبلزية: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك عدوك.

وهناك أيضًا نوع تسويقي رخيص بإثارة شائعة كاذبة عن منتج منافس لتحويل استهلاكه من قبل حركة السوق والطلب عليه، وهذه السبل ممنوعة ومخالفة للأعراف التجارية.

وأخطر أنواع الشائعات على النظام السياسي حينما تتعلق بشخصيات ورموز الدولة وقياداتها السياسية فإن تأثيرها سريع وقوي لدى العامة وهذا التأثير العدائي الموجه يتعدى التأثير النفسي والسيكولوجي إلى محاولة مجرمة لزعزعة أمن واستقرار الدولة بكل مؤسساتها الهرمية، وكثيرًا ما ينعكس تأثيرها إيجابيا لحب الشعب لقيادته السياسية وتلاحمه معها ويولد استياء شعبيا على مروجيها للتقدير العالي الذي تتمتع به القيادة العليا الرشيدة من قبل شعبها الوفي. 

والانتشار السريع لسلاح الأكاذيب لما لها من تأثير في أي مجتمع مستهدف، ما يثير لدى مفكريه والمسؤولين عن الأمن الوطني البحث عن مسببات ومصادر هذا الوباء الاجتماعي وطبيعة انتقاله السريع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولة التوصل إلى حلول وإجراءات صحيحة جذرية لصد تأثيرها على المجتمع كأي خطر يهدد الأمن المجتمعي.. فما هي الإشاعة؟ يعرف رجال علم الاجتماع الإشاعة بأنها خبر بمفرده أو مجموعة أخبار غير صحيحة وملفقة بشكل يمكن تصديقها، وهي قريبة من معنى الكذب تهيأ في مطابخ عدائية، سواء كانت إشاعة سياسية أو اجتماعية أو تتجه نحو الحياة الاقتصادية لأي مجتمع بقصد تخريبه من الداخل. ونشرها من خلال وسائل التداول الاجتماعي بقصد التشكيك لخلق البلبلة والتساؤل المتداول عن صحتها من عدمه. وأحيانًا كثر تغطية الإشاعة لخبر عادي متداول بشيء من المبالغة والتهويل وعرضه بشكل مغاير لصحته بقصد قلب الحقائق استهدافا نحو التأثير النفسي على المواطنين المتلقين لهذه الإشاعة وتصديقها ومن ثم بثها ضمن هذه التقنية الحديثة المنتشرة في المجتمعات المختلفة، ويصنفها كثير من علماء السياسة والاجتماع بأنها أحد صنوف الحرب النفسية المؤثرة وأشكالها من دون تحديد. كالدعاية الكاذبة وغسل الدماغ سلاح المنظمات الإرهابية وافتعال الفتن والأزمات المصطنعة. ولا بد من ملاحقة مروجي هذه الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحصرهم بالرقابة الإلكترونية وتقديم المخالفين للقضاء لنيل جزائهم بحسب قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية لتهديد الأمن وزعزعة الوحدة الوطنية، وهنا يبرز دور الإعلام الأمني لفضح هذه الإشاعات ونشر التوعية الكاملة لأخطارها على أمن المجتمع، ويمثل الإعلام الأمني الوقائي سلاحًا مضادًا لخطر انتشار الشائعات وحصرها في مكامن مروجيها وحماية المجتمع من شرورها.

إخواني المواطنين والوافدين في مملكة الخير البحرين أمامكم واجب نحو الوطن الذي احتضنكم بين جوانبه، ولا بد من مشاركة الجهاز الأمني الوقائي والتصدي للإشاعات المغرضة العدوانية، ولا بد أيضًا من تحكيم العقل الذي وهبكم الله إياه وميزكم به عن كل المخلوقات الأخرى للتفريق بين الإشاعة المغرضة وبين الخبر الصحيح بالرجوع دائمًا إلى المصادر الرسمية لكل الأخبار والتوجيهات والتي ولله الحمد تحمل صفة الشفافية من خلال وسائل الإعلام الصادقة والمنتشرة وبحرية في فضائنا الوطني واليقظة التامة من الإشاعات الضالة المضللة كزوار الظلام، من أجل صيانة وحدتنا الوطنية والحفاظ على قوة ومتانة أمننا القومي. 

 

* عضو مجلس أمناء منتدى الفكر العربي - عضو ملتقى الحوار العربي التركي- عضو جمعية الصحفيين السعوديين.

alsadoun100@gmail.com