برعاية صاحب السموّ الملكيّ الأمير الحسن بن طلال المعظم
منتدى الفكر العربي
بالتعاون مع المركز الثقافي الملكي
ندوة خاصة
"القدس وأوقافها: مستجدات الأوضاع القانونية والإنسانية والديمغرافية"
وإشهار كتاب "الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس"
)المركز الثقافي الملكي؛ عمّان؛ 20/4/2015(
كلمة معالي الدكتور محمد أبو حمّور
الأمين العام لمنتدى الفكر العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب السموّ الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم
أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة
أيُّها الحضور الكريم؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
من وحي "القدس في الضمير"؛ نجتمع مرّةً أخرى لنؤكِّدَ معاً جوهرَ هذا الشعار والعنوان والمشروع، الذي أطلقه سيدي سموّ الأمير الحسن بن طلال، حفظه الله، مع المرحوم سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، قبل عدّة عقود من الزمن، لتظلّ القدس حيَّةً في ضمير الأجيال، بكلّ أبعادها الروحيّة والإنسانيّة والمكانيّة والتاريخيّة.
ولعلّنا في هذه المرحلة الصعبة التي تمرُّ بها أمّتنا أحوجُ ما نكون إلى استلهامِ وتبصُّرِ تلك المعاني السامية، المُجسَّدةِ في البقعة التي باركَ الله حولها، وجعلها أرض الرسالات السماوية، ومهوى الأفئدة، وملتقى الأديان والمذاهب على مِهاد الكرامة الإنسانية والعدالة والسلام.
إنَّ الوعي بكلّ ما يتعلق بحقائق المدينة المقدسة وحقوقها علينا، هو ذاتهُ الوعي بحقوق الإنسان والمواطن العربي الفلسطيني الذي يحيا في ربوعها، ويواجه في كل يوم أشكالاً شتى من الانتهاكات الإسرائيلية لحقوقهِ وحقوق مدينته وأرضه، وتغولاً على إنسانيته ووجوده المادي والمعنوي، ومستقبل أبنائه؛ بالتهويد والاستيطان والاعتقالات والمسّ بحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية على السواء.
لقد كانت جوانب قضية القدس وفلسطين، وما تزال وستظلّ، بؤرة اهتمام في عمل منتدى الفكر العربي وأنشطته، لا لكونها القضية المركزية للوطن العربي في هذا العصر فحسب؛ بل لأنها تمثل تحدياً مصيرياً للأمّة العربية والإسلامية؛ وهو التحدّي الحقيقي للمستقبل في الحفاظ على الثوابت الإنسانية والدينية والقومية للأُمّة، والتمكين لها فكرياً لاستعادةِ دورها ومكانتها في هذه القضية.
ولنا في ما قدّمهُ الهاشميّون عِبر التاريخ، من أجل القدس، من مآثرٍ وتضحيات بالغالي والنفيس، أسوةٌ حسنة في الحفاظ على الإرث المقدس، وقيم السلام والعدل، والحقوق، والوجود في ظلّ الكرامة وكفّ الأذى والامتهان الذي تتعرض له القدس العربية على أيدي غاصبيها وآلتهم العسكرية والاستيطانية.
لقد توَّجَ المنتدى أنشطته من لقاءات وندوات تحت شعار "القدس في الضمير" بمؤتمرين كبيرين وبمشاركة عربية وإسلامية واسعة، كان أولهما في عام 2009 بمناسبة إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية، والثاني في عام 2013، وبمحاور تركزت على بحث جانبٍ من أهم الجوانب المتعلقة بحقوق العرب والمسلمين في بيت المقدس، بل أهمّها على الاطلاق، ألا وهو الأوقاف الإسلامية والمسيحية، ركيزة الشرعية القانونية لإثبات الحقوق، وأساس الحفاظ على الوجود العربي، ومنطلق البحث في التمكين لهذا الوجود معاشياً وإنسانياً. ومع التركيز على الأبعاد التاريخية ومصادر توثيق الأوقاف والأملاك، وعوامل تهديد التراث المقدسي، اعتنى هذا المؤتمر بالأبعاد القانونية، والربط بين البشر والحجر والأوضاع المعاشية والسكانية والصحيّة والتعليمية للمواطنين العرب في القدس المحتلة، ولم يُغفل الأبعاد المستقبلية، من حيث الخيارات المحتملة وما يمكن أن تؤديه بلورة سياسة مدنية عربية إسلامية دولية من دور فاعل لخدمة قضية القدس ومقدساتها، والأخذ بالاعتبار دور منظمات المجتمع المدني ومؤسساته في الدفاع عن هذه القضية.
ويشرفني اليوم، باسم منتدى الفكر العربي، أن أقدم إليكم أعمال هذا المؤتمر عن أوقاف القدس في مجلدين مطبوعين، كما يسعدني أن أنقل إليكم أنَّ المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) أبلغتنا رسمياً بأنها اختارت هذا الكتاب بجزءيه ليكون ضمن منشوراتها لعام 2015، في طبعةٍ دولية تتولاها هذه المنظمة لنشر الكتاب على أوسع نطاق في العالم الإسلامي والعالم بأسره، كجزء من مساهمتها في دعم المؤتمر والتعاون بينها وبين المنتدى. ونأمل في مرحلة قادمة أن ننشر بالتعاون مع الإيسيسكو أيضاً مختارات من هذه الأعمال مترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أجنبية أخرى.
إنَّ عملَنا في المنتدى بشأن القدس مستمرّ بإذن الله تعالى، بالاشتراك والتعاون والتكامل مع جميع المعنيين، وخاصة المؤسسات الحكومية والأهلية، والجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة، وما هذه الندوة التي تجمعنا اليوم إلا خطوة في مسيرة طويلة، نستنير فيها برؤية سموّ الأمير الحسن بن طلال، رئيس المنتدى وراعيه، في أن القدس "فضاءاً دينياً رحباً لا بدَّ أن يسمو فيه الدين فوق السياسة في إطار سلطة معنوية للأماكن المقدّسة لجميع الأديان"، وأنَّ "صيحة العقل والضمير لإنقاذ القدس المحتلَّة، لا تكون إلا بدعمها وتمكين مواطنها العربي وفق رؤية ناظمة للأولويات أمام الاعتداءات الإسرائيلية اليومية".
أحييكم مرة أخرى، حضوراً ومشاركين، وأرحب بالإخوة الذين قدِموا من القدس ليكون صوت الضمير واحداً كما الحال بيننا دوماً، وأشكر لجنة المتابعة لمؤتمر الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس، برئاسة الأخ معالي الدكتور هشام الخطيب، وفريق العمل في الأمانة العامة للمنتدى، على الجهود الحثيثة في متابعة نتائج المؤتمر وتوصياته، وهذه الندوة هي تحقيق لجانب من التوصيات في رصد مستجدات الأوضاع في بيت المقدس، كما أشكر الفريق الذي عمل على إخراج كتاب مؤتمر الأوقاف، بإشراف الأمين العام السابق للمنتدى الأخ الدكتور الصادق الفقيه، والجهد الموفق الذي بذلته الأستاذة الدكتورة هند أبو الشعر، والدكتورة نادية سعد الدين، في تحرير الكتاب وإخراجه على هذه الصورة من الدقّة، ومعهما أيضاً فريق العمل في الأمانة العامة.
وفق الله الجميع إلى خير المبتغى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.