تمر المملكة الأردنية الهاشمية بمرحلة مهمة منذ أشهر ضمن عملية الإصلاح في البلاد، مع تصاعد المطالب من بعض الفصائل المعارضة. ويقول الأمير الحسن بن طلال عن هذه المرحلة بأنها تجسد مرحلة تحقيق الدولة المدنية ، وانها محتاجة إلى حوار حول الأولويات التي يطمح إليها

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الأزمة السورية أكبر تحد للمنطقة وتتطلب تضافر كل الجهود لحلها

 

مينا العريبي
تمر المملكة الأردنية الهاشمية بمرحلة مهمة منذ أشهر ضمن عملية الإصلاح في البلاد، مع تصاعد المطالب من بعض الفصائل المعارضة. ويقول الأمير الحسن بن طلال عن هذه المرحلة بأنها تجسد مرحلة تحقيق الدولة المدنية ، وانها محتاجة إلى حوار حول الأولويات التي يطمح إليها الأردنيون. والتقت «الشرق الأوسط» بالأمير الحسن للحديث عن أوضاع الأردن والمنطقة بشكل أوسع خلال زيارته إلى العاصمة البريطانية لندن أمس.

وفيما يلي نص الحوار:

* لنبدأ الحديث بالنظر إلى الوضع الداخلي في الأردن الذي شهد سلسلة من الاحتجاجات في الآونة الأخيرة ومطالب عدة من جهات مختلفة.. هل تخشون من تبعات هذه الاحتجاجات والمظاهرات على البلاد؟ وهل يمكن لعملية الإصلاح أن تلبي مطالب المعارضة؟

- القاسم المشترك بين المطلبية المشروعة التي تطالب بها الشعوب العربية منذ بداية الربيع العربي تلخص في مطالب حياتية: لقمة العيش والعدالة الاجتماعية والحرية. وأقول إن المطلبية وحدها لا تلبي؛ لأن هنالك حاجة ملحة، كما أرى، لتفعيل وطني ثلاثي، وهو حوار يؤدي إلى تفاوض حول الأولويات التي من الضروري أن تجمع عليها أطراف المعادلة السياسية والاقتصادية والمدنية. التظاهر والاعتصام ليس مقتصرا على فئة عمرية، ولا على جماعة عقائدية، ولا على حركة إقليمية، بقدر ما هو مسآلة حول غياب الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتعمق في كيفية اختيار الأولويات. أقول في هذه الفترة إن التركيز على المشروعات الجديدة والحداثة والتحديث باسم الخصخصة، على سبيل المثال، نالت من ثقة المواطن في أسس التخطيط. ان الموضوع الذي يتلخص بالإشارة إلى السوق وأن تقرر السوق كل شيء من الأسعار إلى المياه إلى مستقبل الكهرباء والطاقة، فهذه السوق اذا تمثل فقط الطمع الاستثماري الخارجي، فبطبيعة الحال ينعكس ذلك انعكاسا سلبيا على سوق العمل في الداخل، فالمشروعات وحدها في غياب رؤية لا تخدم الغرض. فعندما نتحدث تارة عن الزيت الصخري، وأخرى عن طموحات في العمران الافتخاري الذي لا يعرف حدودا مع ارتفاع أسعار الأراضي، فهنالك مواطن يدفع الثمن. إن المطالبة بالإصلاح لم تؤطر إلى الآن وقد لا تؤطر حتى فيما لو أقيمت الانتخابات، والآن الحديث حول الانتخابات حتى لو عقدت في موعدها وانتخب برلمان جديد أو عاد البرلمان القديم، أقول مرة ثانية، المطالبة بالإصلاح لا بد أن تؤدي إلى الإصلاح الحقيقي بالتراضي بين أطراف المعادلة السياسية والاقتصادية، الاجتماعية والمدنية. إنما الاستمرار في المطالبة بالإصلاح من ولي الأمر رئيس الدولة، وتوقع أن الإصلاح تأخر أو تلكأ، (تتزامن مع) حقيقة الوضع الاقتصادي المتدني في الإقليم كامتداد للوضع الاقتصادي المتدني في العالم، وامتداد أيضا لحقيقة جديدة وهي الغزو السكاني للإقليم من قبل اللاجئين والوافدين وبلا دولة وغيرهم من صنوف. وكما ذكرت في قمة منظمة عدم الانحياز في طهران، إقليم غرب آسيا يمثل 26 مليون مهجر بالصنوف المختلفة. سوريا الجارة لديهم الآن 3 ملايين من المهجرين داخل الدولة. وأقول إن هذه المظاهرات والاعتصامات أيضا تنم عن رغبة في أن يسمع المواطن الفرد أو الجماعة الإقليمية بالمدنية على حساب انتقال بالدولة إلى التمكين والتفعيل في الأقاليم التي لا بد لها أن تكون مبنية على أسس منطقية. وهذا يعيدنا إلى حقيقة مرة وهي غياب القاعدة المعرفية.

* فيما يخص موضوع القاعدة المعرفية والشراكة في تقرير أمور الدولة، هل ممكن للانتخابات المقبلة في الأردن أن تكون خطوة حقيقية بهذا الاتجاه؟

- إذا كانت خطوة متقدمة نحو بناء الدولة المدنية بمفهوم الإجماع الذي من خلاله تقرر الأولويات خدمة للصالح العام، فنعم. إنما إذا كانت في هذه الفترة والأصوات الكثيرة تتحدث عن الدور الوطني، الحكومة الوطنية والبرلمان الوطني والإجماع الوطني، أقول إن الإجماع سيخفق فيما لو كان رأي الأكثرية أو حتى الأقلية هو المعتمد شعبويا من قبل قواعد معينة للتأثير. زمن الأجندات الخاصة لا بد أن يولي إذا كانت هناك رغبة حقيقية في النهوض بالصالح العام. أي أن الديمقراطية تفوض الصالح العام مباشرة دونما وسطاء.

* ولكن هل الأحزاب والتكتلات هي التي تقوم بذلك؟

- القواسم المشتركة ليست أحزابا، بل المياه، العدالة في التوزيع، ميثاق للمواطنة، ميثاق اقتصادي، بالاضافة الى قاعدة معرفية منزهة من أي اعتبار، أكانت السرقات أو الفساد أو المواقف السياسية والمواثيق التي تجمع عليها الأحزاب. هنالك اجتهادات كثيرة ولكن الاجتهادات الشريفة لا بد من أن تجمع هذا الصالح العام، وهذا ما قصدت أقوله بالقواسم المشتركة التي تفوض مباشرة من قبل الديمقراطية. فهمي للديمقراطية أنها الإجماع على الأولويات التي تخدم الصالح العام.

* ولكن لا نرى الآن في منطقتنا برامج مبنية على هذه القواسم المشتركة أو القضايا الرئيسية مثل المواطنة أو المياه، كل ذلك يتطلب برامج سياسية واعية عندما يذهب المواطن ليدلي بصوته. فلماذا أخفقنا بالمنطقة في هذه القضية؟

- أعتقد أن الاتكالية على رأس الدولة، أكانت في عهد الحكومات القومية أو الاشتراكية أو إذا كان رأس الدولة ذا خلفية عسكرية أو ذا خلفية تعرف عند البعض بأنها سلطوية، بطبيعة الحال الاتكال على رأس الدولة أمر واضح، وأعتقد أن هذه الحقيقة تعني تلقائيا أن القانون لا يعمل من أجل الجميع. وهذا ما شرعنا فيه في الدراسة المعنونة بهذا العنوان مع زميلي الدكتور مدحت حسنين من مصر؛ إذ قدمنا دراسة للإقليم في فترة متزامنة مع الربيع العربي ولم تقرأ. جعل القانون يعمل من أجل الجميع يعني استحداث برنامج للدفاع عن الفقراء، يعني التركيز على المواطنة كقاسم مشترك للخروج من قضية المسميات، مثل مسيحي، مسلم، جنوبي، شمالي، شرقي، غربي. التعددية التي أشار إليها الشيخ أحمد الطيب، جزاه الله خيرا، شيخ الأزهر، في إطار الدولة المدنية، لا بد من أن تكون تعددية اجتهادات وتعددية القبول بالآخر إذا كنا نتحدث عن المشروع الكبير، وهو بناء الأمة. مؤسسيا، لا يوجد لدينا في إقليم شرق آسيا مؤسسة للتخطيط الاجتماعي والاقتصادي. نحن نذهب إلى صندوق النقد والبنك الدولي لتلقي النصائح والتحذير بعد أن نخفق في إقامة واجبنا الأساسي، وهو كمجتمع البناء على أساس الإجماع. ربما أجمل ما في سويسرا على سبيل المثال، الشراكة الكاملة بين كافة فئات المجتمع. يعتقد البعض أن سويسرا غنية بسبب البنوك، ولكن الغنى الحقيقي مبني على الإجماع والحوار. وفي هذا الإطار، الدول العربية لم تعتد إلا الاعتماد على ولي الأمر. ومؤسسيا إذا كان الأمر اقتصادا وأمنا وكرامة إنسانية، وحقيقة الأمر أن الأمن يشمل العبارات الثلاث؛ إذ إن الأمن الإنساني أهم عندي من الإنفاق على التسلح، خاصة في هذه الفترة وأننا لا نرى اقتتالا إلا بين عربي وعربي، ومسلم ومسلم، فكل هذا التسلح لماذا؟ في غياب مؤسسة قادرة على الاجتماع في كل يوم وأسبوع وفي كل موقف على كافة الهيكلة الموظفية لتحمل المسؤولية وتقديم النصح لصناع القرار، أعتقد أن القرارات ستستمر في ارتجالها الكامل. غياب القاعدة المعرفية أيضا يعني الاستمرار في الارتجال كاملا. الأردن موعود عام 2014 بإحصاء عام للدولة، فأقول هل الإحصاء العام هو تعداد بشري وسكاني فقط أم إحصاء محلل لمعرفة فئات الدخل وفئات الإنتاج؟ في الدول العربية كافة، هل هو إحصاء يشتمل على ما يسمى بالاقتصاد السياسي الذي هو اقتصاد اللاجئ والنازح الذي يستبعد عند البعض بتعريفه على أنه اقتصاد سياسي أم يشتمل على كافة القوى البشرية القاطنة على هذه الأرض؟ لنكن صريحين في موضوع المياه، لم تبق مياه سوى في شمال سوريا الآن وجنوب تركيا وشمال إيران. فهل ستذهب هذه المياه هدرا قبل ما ذهبت قبلها مياه العاصي ومياه اليرمك ومياه الأردن ومياه النيل؟ موضوع القواسم المشتركة أهم بكثير من صناع القرار والأهمية الحقيقية هي لمستقبل الشعوب والأجيال القادمة. هل نحن على قدر المسؤولية في حماية حقوق الأجيال القادمة؟ فقد أخفقنا في حماية حق الحياة، واليوم نشاهد انتشار السل مجددا بين الأطفال اللاجئين في المخيمات السورية. أجبرنا في بداية السنة الدراسية أن نقوم بالتطعيم الثلاثي لأطفال بسن المدرسة، والتطعيم الثلاثي يجب أن يكون للأطفال في سن مبكرة. فترك الأمور على أمل أن تحقق المنظمات الأجنبية وصندوق النقد مستقبلا ناصعا لنا.. لا أعتقد أن أحدا يتوجه إلى العرب بالذات بنظرة رضا، خاصة أننا لسنا بحاجة إلى عداء، نحن خصوم أنفسنا.

* تتحدثون عن الدولة المدنية، ولكن مع صعود التيارات الإسلامية في دول عربية عدة هناك من يخشى أن تتراجع فكرة الدولة المدنية أساسيا. هل هذا أمر يقلقكم؟

- على خلفية ما يجري الآن من تحليل ونقاش مما يجري في الساحة المصرية بالذات، هنالك مخاوف حول حقوق المرأة، على سبيل المثال، وهنالك أيضا محللون يمثلون التيارات الإسلامية الجديدة يقولون إنه لا داعي لمثل هذه المخاوف؛ لأن دولة مصر دولة سياحية وتنمي السياحة، وهي تحترم حقوق المرأة وما إلى ذلك. ولكن أعتقد أن جزءا من الحقد الموجه للطبقة الوسطى، ومنهم النساء بطبيعة الحال، هو حقد طبقي. الفترة هي فترة مخاض، فبطبيعة الحال الجواب الكامل على سؤالك الكريم ليس متوفرا، ولكن لمن يرى هذه السيرورة يخشى من أن المفاصل الأساسية للدولة المدنية، التي هي السياسية والقضائية، دخلت في صراع حول كيفية الوصول إلى الدستور الأمثل. وأقول إن في كل بلداننا، حتى في الأردن، كان طموحي عندما بدأنا في دراسة عام 2009 في منظومة دستورية متكاملة، وجدنا أن الساسة أخذوا في التوجه للتحليل الدستوري ينالون أجزاء من الدستور تلميحا أو تصريحا في الرغبة في الإصلاح، وخاصة في صلاحيات رأس الدولة وما إلى ذلك. فأقول إنه بالإجماع كان من الممكن أن نتحدث عن منظومة دستورية متكاملة، ولكن في غياب الإجماع، وخاصة في الأمثلة التي تخص الدولة المدنية وإذا كانت ستلبي المطالب، أقول إذا كان التصويت على الدولة المدنية يعود لمن يتخلف عن الركب من القضاة أو من ينضم إلى التوجه الجديد أو إلى رأي الشارع، فالسؤال الأساسي هل التوجه الجديد الإصلاحي سيكون ذا شقين: شق سياسي ممثل في البرلمان بأغلبية، وآخر شعبوي يتمثل في حركة الشارع؟ في هذه الحال سنعود إلى قصة الحزب الواحد والرأي الموحد وما إلى ذلك. فأقول مرة أخرى نحن في فترة مخاض على أمل أن تكون فعلا كذلك. وأقول إن ثروات الإقليم لم توزع حتى الآن للصالح العام، وأعود بمثل ما ينفق من عائدات البترول، فمن (مؤتمر) مدريد إلى (اتفاقية) أوسلو خسارتنا في الفرص تتمثل بـ12 تريليون دولار لدول غرب آسيا نتيجة للإنفاق على السلاح، على سبيل المثال. إن المحافظ السيادية للدول المنتجة للنفط للآن متحركة بموجب السوق الخارجية ورأي الأجانب المعنيين بهذا الأمر، أكثر مما هي متأثرة بالدول ذاتها. في غياب التكامل بين مصادر النفط وبين مصادر القوى العاملة، أي الاستقلال المتفاعل، من الصعب التحدث عن استقلال الإقليم. وربما هذه من الأمور التي تطرحها الصحوات العربية، هل هناك هوية للإقليم؟ أم أن الهوية المتضائلة للفئوية والطائفية والمصالح الضيقة؟ هل الدول الكبرى في شرق آسيا والأورو - أطلسي تنظر إلى الإقليم على أنه إقليم غرب آسيا أم تحاول أن تدير المصالح الخاصة لها من خلال استرضاء جماعات معينة؟ حتى في إسرائيل، وهي حليفها الأساسي، ما هي المدارس التي تنمى؟ أليست مدارس المواجهة مع الآخر؟ وهل المواجهة العقائدية، إسلاميا ويهوديا ومسيحيا جزء من الرؤية؟ هنا أردت أن أوضح أن ذهابي للقاء مجلس النواب اليهود سبقه لقاء مع النواب المسلمين، في البرلمان البريطاني. وكان هذا في إطار الدعوة لسنة الحوار لأتباع الديانات التي أقرت كفكرة من قبل الأمم المتحدة. وهناك زيارة مرتقبة لأمين عام الأمم المتحدة للديار المقدسة قبيل نهاية العام المسيحي. فأقول لماذا نحرم أنفسنا الحديث عن حقوقنا والدولة الفلسطينية وإقامة معادلة تعيد النظر في المستوطنات وتناول موضوع اللاجئين بحقوقهم الكاملة؟ وهذا ما أتحدث عنه في كل موقف وكل منبر، فلماذا الغبن أحيانا

* لنتحدث عن القضية الفلسطينية، ما أهمية التصويت لدى الأمم المتحدة لصالح الدولة المراقب وهي يمكن أن تساعد في تحريك عملية السلام رغم الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في توسيع الاستيطان؟

- إنني أقدر للجمعية العامة التضامن مع الشعب الفلسطيني، كما أقدر للحكومتين البريطانية والفرنسية التفكير في طلب استدعاء السفراء للتشاور، ولكن هذه الخطوات من جهة مبنية على اعتراف حقيقي بالغضب التاريخي الذي أصاب الشعب الفلسطيني. ولكنه لا يتجاوز ذلك في هذه المرحلة بالذات، فعندما يقول الناطق الفلسطيني سنقود الإسرائيليين إلى محكمة لاهاي، هل في حقيقة الأمر الإسرائيليون الذين رفضوا تقرير غولدستون، وهو يهودي من جنوب أفريقيا، سينصاعون لمثل هذه الدولة من الجانب الفلسطيني؟ إننا توصلنا إلى مرحلة الآن وهي مرحلة الانتقال من الخصوصية الفلسطينية – الإسرائيلية إلى الخصوصية العربية – الإسرائيلية. ومن هنا الدعوة لإحياء المبادرة العربية، كما فعل الرئيس (الفلسطيني) محمود عباس، وربما الدعوة لإحياء المبادرة الإسرائيلية للسلام، وهنا أعني من تولى هذه الدعوة بالأساس من المنظمات الإسرائيلية الداعية للسلام، مثل «السلام الآن» ويوفال رابين نجل الرئيس المغتال إسحاق رابين. هذه الدعوة لتحريك أصحاب القلوب الحية، لأن حقيقة الأمر أن هناك مواجهة لتحريك أصحاب القلوب الميتة الآن. فقضية الصراع العربي - الإسرائيلي كما أسلفت أمام المسلمين واليهود والمسيحيين في اللقاءات الأخيرة، هذا الصراع صراع ذو مضمون. نحن توقفنا في التفاوض مع إسرائيل فيما يسمى المعاهدة عند 6 أو 7 نقاط مهمة، وهي القدس وهي تعني كل مسلم ومسيحي، واللاجئين وهنا كما أسلفت الأردن ذو أهمية قصوى لكل فلسطيني راغب في ممارسة حق العودة والتعويض، واستقرار الأردن مهم في هذا السياق. كما يجب أن تكون فلسطين مهمة لكل أردني؛ لأن حقيقة الأمر أن ترسم الحدود الإسرائيلية على ما تبقى من أراض محتلة لنصبح دولة جوار لإسرائيل لا دولة جوار للدولة الفلسطينية التي يجب أن تقوم، يجب أن تتضافر الجهود القانونية لإقامة هذه الدولة بين استذكار الدور الأردني، وهنا أميز بين الدور الأردني والخيار الأردني. لصق بي الكثير من اللوم حول الحديث عن الدور الأردني، وأنا أعني بذلك فقط الدور الداعم الذي بدأ في مدريد عند المجموعة التفاوضية المشتركة الأردنية - الفلسطينية، وهي من ثم ذهبت إلى أوسلو. لا بد لنا من استذكار ما تبقى من موضوعات، منها المياه والأمن والحدود والمستوطنات أو المستعمرات. هذه أمور لا بد من دراستها ضمن حوار القلوب الحية في الإطار العربي والإسلامي بعيدا عن الأضواء. ولكن التجريح بعضنا في بعض، والتشكيك في سجلنا الوطني، كما يجري اليوم على لسان «س» و«ص» من البشر، أفقدنا قدرتنا على التفكير الموضوعي. وأعود مرة ثانية إلى النعوت التي اعتدناها في الخمسينات (من القرن الماضي) وقلنا إنها ولت في تلك الفترة، من خائن ووطني..ز إلى آخره، هذه النعوت لا تخدم لا من قريب ولا من بعيد. وأذكر بالآية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم) «يا أيها الذين امنوا اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة» (صدق الله العظيم). فأقول لكل من ينتقد عبر الأثير فليتفضل، ولكن عليه أن يدرك تماما أنني لست من الذين يحملون حقدا على أحد، ولكن قلقي الأساسي ومرارتي العميقة من أننا لا نرى الصورة الحقيقية لما يجري اليوم من وضع ليس خاصا في فلسطين.

* والأمور تزداد تعقيدا مع ما يحدث في سوريا وما يترتب على المنطقة من الأزمة فيها..

- حتى الموضوع السوري ينعكس على قبرص، وهي من المسامير القديمة للاستعمار، وتنعكس الظروف الحالية بين باكستان والهند على كشمير، هذه قضايا وجدت عمليا لتستمر التفرقة.

* أشرتم إلى موضوع الهوية في المنطقة والتفكك الذي نراه من الصراعات في دول عدة، مثل العراق وسوريا وغيرهما. وطبعا سوريا تؤثر مباشرة على الأردن، وموضوع اللاجئين مهم بالنسبة للأردن. كيف يمكن دعم الأردن خلال هذه المرحلة؟

- موضوع المقتلعين بصفة عامة، أكانوا لاجئين فلسطينيين أو لاجئي المفوضية السامية للاجئين، مثل اللاجئين السوريين الذين يمثلون أكثر من 4 في المائة من سكان الأردن، أو اللاجئين العراقيين، أو الذين بلا دولة، أو من نازحين من دولة أخرى، آن الأوان ليتلقى الأردن الدعم الكامل العربي والدولي في إقامة دراسة موثوقة حول الحقيقة المعلوماتية للاجئين كافة. كما أعتقد أن التركيز في دراسة واضحة حول فرص التأهيل والتعليم والصحة والإغاثة، لجعل فرص التهيئة وفرص العمل قوية استراتيجيا مدروسة للاجئ كما هي للمواطن. نحن بحاجة لفرص عمل. فمن هذا الجانب الحديث عن المساعدات الخارجية وصندوق للأقاليم وغير ذلك جزء من المطلوب في الوقت الحاضر. نحن في عام 1967 انتهينا إلى حرب كارثية قسمت الدولة وأدت إلى ما عشناه في 1970 وصعوبة الإجماع على أي من الأمور الأساسية. ومع ذلك، خلال 3 سنوات جلبنا 600 مليون دينار، وطبعا كان مبلغا كبيرا في تلك الأيام نتيجة لجهودنا الوطنية. وأعتقد أن من يتحدث اليوم عن الميثاق الاجتماعي يتحدث حقيقة عن الميثاق السياسي والاقتصادي، والتعبير عن إرادة أردنية للعمل ليلا ونهارا للنهوض بالأردن نحو مستقبل مشرق. إنما الاعتماد على المساعدات الخارجية وحدها، كان سببا لإخفاقنا في مجالات عدة. الحديث عن المحاسبة والفساد يجب أن يتبعه أيضا حديث عن الحاكمية الصالحة، والتواصل بطبيعة الحال مع المؤسسات الأجنبية والمنظمات المؤهلة العربية والإسلامية، على أساس تحريك الأردن، وهو في عين الزوبعة كدولة تصبو إلى التغيير النوعي. فإذا كان هذا مقبولا بأعصاب غير متوترة فعلينا معرفة أن كفاءتنا الأردنية تستطيع أن تقوم بمواجهة هذا التحدي بعيدا عن الرعوية، إن كانت محلية أو أجنبية.

* فيما يخص خلق فرص العمل، هناك من يرى أن القطاع الخاص الوحيد يمكن أن يقدم فرص العمل، ولكن هناك انعدام ثقة من قبل الكثير في القطاع الخاص، فكيف يمكن معالجة هذه المعضلة؟

- أنا فوجئت قبل مغادرتي عمان قبل 3 أسابيع بلقاء بمجموعة من رجال المال والأعمال الأردنيين الذين طالبوا بإقامة فريق لإدارة الأزمة الاقتصادية، فقلت بوضوح إنني لست معنيا في هذه المرحلة من حياة الأردن ومن تجربتي المتواضعة بأن أقوم بأي عمل أستثني أي طرف مؤهل للمشاركة. وموضوع الخصخصة وتفعيل السوق وقوى السوق صوب التغيير بديلا عن التخطيط المركزي، أقول إن إلغاء الأولويات من خطاب الأردنيين هو الذي أسهم في إقامة هذه الحركات التي لن تنتهي إلا بإشعار الناس بأنهم أهلوا كمواطنين في القيام بمراجعة الموضوع الأساسي، وهل هناك تفويض للمواطن بالمسؤولية الكاملة؟ الموضوع لا يحل فقط بصندوق الانتخاب، بل يحل بصندوق الانتخاب بما يتفق عليه زائد منهجية جديدة لكيفية اتخاذ القرارات. اليوم عمليا هناك فئات محصنة وفئات مترفة تعتقد أن القوانين لا تنطبق عليها. فإذا أردنا أن نتحدث عن الشفافية الكاملة، فانظروا إلى لقاء جوهانسبرغ الأخير قبل شهرين، أعلنت دولة جورجيا عن الانفتاح الكامل في التعامل بالقضايا التجارية، كل ما يدخل في التعاقد التجاري الحكومي منشور على الإنترنت. فلماذا لا نبدأ نموذجا جديدا؟ القضية الأمنية الأساسية تتلخص بكلمة واحدة هي الثقة، أكان الاجتهاد نحو الخصخصة نحو الإدارة أو إذا كان الموضوع الموارد الوطنية أو القطاع العسكري والأمني، يجب ألا يبقى خارج المعادلة. الناس أصبحوا في حيرة من أمرهم عندما يواجهون بقضايا مثل هذه. والمصلحة يجب أن تعلو، وهنا أقول إن المصلحة هي غاية الحكم، مصلحة الجميع.

* نقترب من نهاية العام الميلادي ونتطلع لعام 2013، وأمام الأردن والدول العربية قضايا كثيرة، ولكن لو كان هناك تحد واحد يتم رصد كل الجهود تجاهه للتغلب عليه، ماذا يكون بتقديركم؟

- أقول إنهاء الصراعات الداخلية، وخصوصا في الموضوع السوري، وانهيار السد السوري أمام الضغوط المتعددة. العلاقات بين البشر الآن باتت مشوهة أو مشرحة، كنا نتحدث عن البلقنة والصوملة، ولكن حقيقة ما جرى في العراق واليمن، وما يجري الآن في سوريا، إضافة إلى حروب الإنابة، بداية النهاية لهويتنا في الهلال الخصيب وبلاد ما بين النهرين. إن الموضوع السوري ليس مقتصرا على سوريا بقدر ما هو نمط قد ينتشر في منطقتنا وقد يقتلع من الوجود الدول التي ورثناها عن التقسيم الاستعماري. على تقصيرنا وإخفاقنا في الطموح القومي وإقامة الدولة العربية الواحدة، إضافة إلى ذلك اليوم، نرى الهوية تتآكل نتيجة لإهمالنا لعلاقاتنا المبنية على الاحترام المتبادل فيما بيننا كعرب. مرة ثانية، هل المستقبل في نهاية هذا العام للمادة التي ترسم مستقبل الشعوب أم للأخلاق، والرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أتى ليكمل مكارم الأخلاق؟ أين لائحة الحقوق والواجبات العربية والإسلامية التي لا بد لها من أن تحيي فينا الرغبة في العمل المشترك خدمة للصالح العام؟